بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله ومن والاه
أيّها الطيبون ها قد أظلكم شهر ماجد وموسم للمعروف عظيم فأحسنوا وفادته
فإن الكرم يتأكد عند الكرام إذا كان الضيف ذا مكانة .. كيف والضيف رمضان !! ..
بادئ ذي بدء بوركتم بلوغه إن شاء الله وأسأل الله أن يعيننا وإياكم على صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضى به ربنا جل جلاله عنا ..
قال المعلّى بن الفضل: كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
وقال يحي بن أبي كثير: كان من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان، وتسلمه مني متقبلا .
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء رمضان فتّحت أبواب الجنة "
إن بزوغ هلال رمضان وإشراقة شمسه موطن سرور لعباد الله المؤمنين وبهجة لقلوب المتقين، سرهم نوره، وأبهجهم حلوله،
أخرج ابن ماجه بسند حسن عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم "
إن تحيةً تُزف لرمضان هي إجلال زمانه، وتعظيم موسمه وأيامه، والبدار
الصادق إلى الأعمال الصالحة بكل همة وحزم ومجاهدة وعزم، والحرص على
استغراق الزمان بالطاعات الفاضلة سالكين بالنفوس مسلك التعبد والخضوع مع
التدبر والتنويع.
أيها الإخوة الكرام ومن التحايا الحسان لرمضان عند رؤية الهلال الذكر الثابت الذي رواه أبو
داود والترمذي وابن حبان عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير)).
ولا بأس أن يهنئ المسلمون بعضهم بعضًا بدخول الشهر الكريم، ، فإن إدراك
رمضان نعمة من الله على العبد، يضيء محياه بها نضرة وسرورا، وغبطة وحبورا
..
ولقد رأيت أحسن صور الاستقبال لهذا الضيف العزيز
التوبة إلى الله مما سلف من الذنوب والأوبة إلى الإله من ما مضى من
التقصير والعيوب .. وها هو سوق رمضان أوشك أن يفتح بابه للواردين ..
فمستغفر أواب وتائب منكسر ..
فالحـق بركبهم فالنجاة مسلكهم ورمضان والتوبة صنوان
أيها القراء الكرامأليس شهركم شهر النّفَحات وإقالةِ العثرات وتكفيرِ السيّئات، إنها فرصة
وأي فرصة لتتقدم بالاعتذار والندم والتوبة لخالقك جل شأنه إذ أسرفت على
نفسك بالمعصية في ما مضى من الأيام
فليكُن رمضان انطلاقة رجوعِكم وتباشيرَ فجركم الذي طال انتظاره بعد أن
اسود ليل المعصية واشتد ظلامه .. والليل إن تشتد ظلمته فإن الفجر لاح ومن
لم يتُب في زمنِ الخيرات والهبات فمتى يتوب؟! ومَن لم يرجِع في زمَن
النّفحات فمتى يؤوب ؟!
صعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ فقال: "آمين، آمين، آمين"،
فقيل: يا رسولَ الله، إنك صعدتَ المنبرَ فقلت: "آمين، آمين، آمين"!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنّ جبريلَ
عليه السلام أتاني فقال: من أدركَ شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخلَ النار
فأبعَدَه الله، قل: آمين، قلتُ: آمين" أخرجه ابن خزيمة وابن حبان ..
أحبابي ..
إن الله أراد لنا أن نخطئ ونذنب ثم دعانا برحمته لنؤب ونرجع ونتوب ونستغفر
.. فما بالنا حققنا مراده الأول وأهملنا مراده الثاني .. الذي يطهرنا من
الخطأ ..
كثيرٌ منا جعل بينه وبين التوبة خندقا واسعا لا يجرؤ على قربه ظانا أنها أمر عسير ..
وهي والله اليسر والبركة .. لا تستغرق من التائب إلا لحظات معدودات ريانة
بصدق الرجوع والندم على مافات من الذنوب والعزم الصادق ألا يعود إليها
وليتسربل بالإخلاص لمولاه جل شأنه فيها وليرد المظالم إن وجدت وعندها
فليبشر فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب
مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ..
هنيئا للتائب فرح الله لتوبته ففي الحديث الذي رواه البخاري : "لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم سقَط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة"
هنيئا للتائب محبة الله عز وجل له وإنها أكرم حلة لمن ارتداها :
(( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ))
أيها الخَطَّاء .. يا من أسرف في المعصية حتى ظن أن التوبة بعيدة عنه .. ها هو ربك يناديك وكأنه يستزيرك فحي هلا بزيارته :
(( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))
فهل بعد هذا الكرم من كرم وهل يعذر بعد هذا الجود مقصر أو كسلان !!!
سبحانك ربنا ما أحلمك .. سبحانك ربنا ما أعظمك .. تطاع فتشكر وتعصى فتغفر
وتكشف الضر وتجيب المضطر فاللهم لك الحمد كثيرا كما تعطي كثيرا ولك الشكر
كثيرا كما تهب كثيرا ..
عزيزي القارئ .. إن التوبة مفخرة مطهرة .. كيف وقد سبقك بها رسل الله وأولياؤه فهذا سليمان بن داوود عليه السلام يصفه الله تعالى بقوله : (( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) أي: رجّاع تواب إلى الله.
ولقد فعلها قبلك أبو البشر آدم وزوجه وحواء عليهما السلام حين قالا: "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ"،
وفعلها قبلك خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حين قال: "وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِينِ"، وفعلها قبلك كليم الرحمن موسى عليه السلام حين قال: "رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُ".
ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم الواحد أكثر من مائة مرة !!
فبادر بالتوبة، ودع عنك "لعل" و"سوف"فهما من جنود إبليس ولا يغرنّك طول الأمل؛ أو نشوة الشباب فالموت خطاف وسهامه صائبة
أيها التائب لا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن يعقوب عن البَين، أو بركوع داود وإنابته أو بمناداة ذي النون لربه في ظلمات ثلاث: "لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـانَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّـالِمِينَ"، أو بصَبر يوسف عن الهوى، فإن لم تُطق ذلك فبذُلِّ إخوته يوم أن قالوا: "إِنَّا كُنَّا خَـاطِئِينَ".
وتأمل هذا الخبر العجيب لتدرك سعة رحمة الله جل جلاله :
يقول ابن عباس رضي الله عنهما:
(( دعا الله إلى مغفرته من زعم أن عزيرًا ابن الله،
ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث
ثلاثة، يقول لهؤلاء جميعا: (( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))
فما للهمم مع هذا كله في بطء عن المحاسبة والتوبة والندم والأوبة
مسك الختام ..
(( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ))
اللهم غفرا غفرا[/size][/size]
منقول [/size]