اختلف ثلاثة من رجال الأعمال حول ملكية قطعة مميزة من الأرض, قال الأول: هذه الأرض لي, فصاح الثاني: لا بل هي لي, فقاطعه الثالث زاعقا: لا هي لك ولا له بل هي لي, وعلا صياحهم حتي ايقظ مسنا كان نائما في ظل شجرة قريبة فاحتكموا إليه ولسان حال كل واحد منهم يستجديه أن قل إنها لي.
فأطرق الرجل برهة ثم سألهم في وداعة: تريدون أن تعرفوا لمن هذه الأرض؟ قالوا جميعا: نعم.. فقال لهم: انتظروا ثم رقد علي الأرض المتنازع عليها وألصق أذنه بها وسط دهشتهم وتوترهم ولما طال رقاده علي هذا الحال حتي نفد صبرهم صاحوا به في نفس واحد: ماذا تفعل؟.. قال: إني استمع إلي ما تقوله لي الأرض.. قالوا: أوتحدثك الأرض إذن؟ قال بتؤدة: نعم, قالوا في لهجة ساخرة: فماذا قالت لك؟ هنا رفع الرجل رأسه إليهم قائلا بكل هدوء: قالت لي: لا تشغل بالك بهم كثيرا فهم جميعا لي.
أهدي هذه القصة الحقيقية ـ ولك مطلق الحرية في أن تراها رمزية, غير أن الرمز فيها يفوق كل ما في الواقع من حقيقة بسيطة مؤكدة ـ إلي كل هؤلاء المشغولين باستنزاف أموال الفقراء ومص دم الضعفاء في شراسة فجة وتلذذمقيت حتي غابت عنهم حكمة الحياة رغم بساطتها الشديدة, كأنما ليصدق عليهم وفيهم قول الإمام علي بن أبي طالب: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا
وأيضا ما تقوله كلمات هذه الرباعية الجميلة من أشعار الحكيم عمر الخيام في ترجمتها المفعمة بالشجن لشاعر الرقة والعذوبة أحمد رامي:
من يحسب المال أحب المني
ويذرع الأرض يريد الغني
يفارق الدنيا ولم يختبر
في كده أحوال هذي الدني